الذاكرة وأثرها على البنية المعماريّة والاجتماعيّة للمدن

الملخص

المدن كيانات مُركَّبة ومتغيّرة باستمرار، والحياة فيها غالباً ما تكون مشروطة بالذكريات التي تُحفِّز مشاعراً وأحاسيساً مختلفةً، أحداثاً لا يمكن نسيانها تجعلنا نتوق إلى ماضٍ وذاكرةٍ مشتركةٍ من أجل الشعور بالانتماء، تصوّراتٍ وإحياءً لنشاطاتٍ جرت سابقاً تعطي شعوراً بالتماسك والرؤية الموحَّدة والتطلّع للأمام. فالذاكرة هي القدرة الذهنيّة التي تُختَزن وتُحفَظ وتُستَرد الأحداث من خلالها، وبشكلٍ مشابه تعمل البنية المعماريّة والعمرانيّة على حفظ التجارب الإنسانيّة من خلال ارتباطها مع المكان واحتوائها لمجريات الحياة الفرديّة والجمعيّة.

ارتبط مفهوم الذاكرة أيضاً بمجموعة من الدراسات الاجتماعيّة التي ظهرت في القرن العشرين والتي تبحث العلاقة بين الذاكرة والجماعات البشريّة ودورها في الحفاظ على ديمومة الحياة وتأمين استمراريّة بين الماضي والمستقبل وخلق تواصل ذاكراتي، كما تبحث انعكاس ذلك على بيئتهم.

هذا ما سيناقشه البحث على شكل ثلاثيّة تتمحور حول مفهوم الذاكرة تجمع بين طروحات مختلفة ابتداءً بوجهة نظر بعض المفكّرين وعلماء الاجتماع التي تهتم بمفهوم "الذاكرة الجمعيّة" وارتباطاتها وانعكاسها على البيئة المبنية وعلى منتجات الإنسان فيما يتعلّق بالأبنية والمدن، ومن ثمّ بعض النظريّات والتوجّهات المعماريّة والتخطيطيّة التي ظهرت في إطار فكري واجتماعي أثّر عليها وأخذت مفهوم الذاكرة بعين الاعتبار كجزء أساسي من مضمونها معتبرةً السجل التاريخي والتواصل الزمني عنصراً هامّاً في تكوين المدن والبناء على ما سبق من موجودات فيها، وانتهاءً بتجارب وتطبيقات عمليّة لتصاميم ونماذج معماريّة تَختبِر التعامل مع مفهوم الذاكرة وطبيعة التأثير المتبادل بينهما موضِّحةً كيفيّة وسبب تحوّلها من بُنى اعتياديّة إلى "نقائل للذاكرة" وماذا تعني الذاكرة بالنسبة لها وكيف أثّرت على نشوئها، وصولاً إلى اختتام البحث بتوضيح أطر العلاقة بين الإنسان والمدينة في سياق الذاكرة والتي من الضروري دراستها عند تناول أي موضوع معماري أو عمراني.